في زحمة السوق يترجلون بحثا عن مستقبل أفضل لتحسين الحال، والتخلص من دوامة الفقر والحاجة التي تلازمهم ليل نهار، أطفال بعمر الورد يشقون طريقهم بلا بوصلة ولا سلاح، إلا بعزيمة ونظرة تفاؤل لمستقبل مشرق، آملين بمعافاة الحال من الضيق الحاصل والفرج القريب لكي يحيوا ميسورين.
هي أحلام الطفولة الفقيرة التي يترجمونها في عملهم تحدياً للفقر والجوع، وبحثاً عن مساندة العائلات، أفعال متناقضة ومتعارضة يسلكها الأطفال مُجبرين بفعل الضائقة المالية الجاثمة على صدورهم.
فبمجرد دخولك الى حسبة مدينة البيرة ورؤيتك لحجم المصيبة التي تتناثر بداخلها، تعلم أنك تعايش تهديداً حقيقيا لمستقبل فلسطين، ويأخذك الفضول للبحث عن أسباب هذه الحالة التي تشوه التركيبة المجتمعية وتفقد الطفولة أهم حقوقها الشرعية ألا وهي حق التعليم والأمان.
*أنهيت دراستي مبكراً لمساعدة عائلتي.
محمد (16 عاما) من مدينة رام الله، يعمل مساعد بائع خضارعلى بسطة في سوق الخضار والفواكه بمدينة البيرة( الحسبة) منذ 3 سنوات، قال منذ خروجي من المدرسة بسبب الوضع المادي المزري الذي تعانيه عائلتي أجبرت على البحث عن أي فرصة عمل، وكان المكان الأول والذي لم اخرج منه حتى اللحظة هنا في حسبة رام الله والبيرة، أتنقل كل فترة وأخرى بين بائع وأخر داخل الحسبة لدرجة أنني أحفظ كل تفاصيل السوق، وأصبحت لدي معرفة جيدة بطرق البيع والتعامل مع الزبائن، وتابع محمد "أعمل على مدار الأسبوع وفي بعض الأحيان أعطل يوم الجمعة، وكل ما اكسبه نحو 40_50 شيكل يوميا أقدمها للبيت لتلبية إحتياجاته".
*معاناة مستمرة وتحرش وإساءة بحق الأطفال.
أما علاء خضر (14 عاما) من بيت عور قضاء رام الله، فقد ترك المدرسة وهو في الصف الثامن، يعمل في الحسبة لنقل الخضار للتجار مقابل المال، وينقل البضائع التي يشتريها الزبائن، ويوصلها لمجمع السيارات المحاذي للحسبة بواسطة عربته التي تعينه في عمله، وبخصوص وضع عائلته وإخوانه فقد إكتفى علاء بقول "الحمد لله" تلاها الصمت الحزين دون أن يوضح أي شيء أخر، وبجوابه عن السؤال حول سبب تركه للتعليم، أوضح أن المدرسة بحاجة لمصاريف متعددة، مشتكيا بالوقت ذاته من طول الحصص الدراسية التي تسبب له الملل والكسل، وأكد ان العمل بحاجة الى جهد كبير وهو متعب لكنه يفضله عن الدراسة، وقال علاء نحن في الحسبة نعد اكثر من 50 طفلا يعملون بشكل كامل أو متقطع، وتزداد نسبة الأطفال الذين يعملون في فترة الصيف والمواسم وذلك بحثا عن المصروف الخاص لكل طفل، واشتكى علاء من المشاكل التي يواجهها خلال عمله، وقال أواجه العديد من المشاكل وتوجه لي بعض الإهانات من المارة مبررين فعلهم هذا بسبب توقفي بعربتي في الطريق مما يعطل سيرهم، عدا عن المشاكل التي يبتكرها أصحاب المحال التجارية والبسطات، والكثيرمن التحرشات التي نتعرض لها من قبل الزبائن وأصحاب العمل.
عبد الكريم (16عاما) من قرى مدينة القدس، ترك الدراسة في سن مبكر ويعمل في بيع الخضاروالفواكه التي يحصل عليها من أحد تجار الحسبة ويبيعها لحسابه الخاص، ويقول عبد الكريم " كنت أعمل بشكل متقطع وأنا في المدرسة لكي أدعم اسرتي بصفتي الأبن البكر للعائلة، وأبي وحده لا يقوى على توفير كل مستلزمات البيت، فنحن اربعة ابناء وبحاجة للكثير من الأحتياجات، ولكنني لم استطع الأستمرار في ذلك فتركت المدرسة مبكراً لكي اساهم مع أبي، فمهما كان التعليم مهم إلا أن توفير لقمة العيش أهم".
*دور وزارة الشؤون الإجتماعية في معالجة مشكلة عمالة الاطفال.
وفي مقابلة مع الأستاذ غانم عمر من الإدارة العامة للأسرة والطفولة في وزارة الشؤون الأجتماعية قال، أن وزارة الشؤون الأجتماعية منذ تأسيسها في عام 1994م، قامت بوضع خطط وطنية لتوفير الحماية والرعاية والتأهيل للأطفال الذين يتعرضون لكافة أشكال الإساءة والأستغلال، ومنهم الأطفال المتسربون من المدارس، والأطفال المضطرين للعمل لظروف معيشية سواء كانت ظروفاً تربوية تعليمية أو إجتماعية أو اقتصادية، وذلك كله بالشراكة مع المؤسسات الحكومية والمنظمات الأهلية.
وأوضح عمر أن الوزارة تعمل وفق برامج خاصة لحماية الأطفال، ونظام التحويل الوطني للأطفال المعنفين، وشبكات حماية الطفولة في المحافظات للذين يتعرضون لكافة أشكال العنف والإساءة والاستغلال، من خلال طاقم مختص من المرشدين الإجتماعيين للوصول للأطفال الذين يتعرضون للإساءة، حيث يقوم المرشدون بتنفيذ حملات تفتيشية على الاطفال الذين يعملون سواء في المنشآت أو الأسواق مثل سوق الخضار أو على الحواجز والإشارات الضوئية.
ويتم التعامل معهم من خلال مرشدي مراكز حماية الطفولة، بهدف توفير الحماية والرعاية اللازمة للأطفال خاصة المتسربين من المدارس والمتجهين نحو سوق العمل، من خلال إستدعاء أولياء أمورهم وفتح ملفات رعاية ومتابعة لاوضاعهم.
*طرق العلاج التي تتبعها وزارة الشؤون الإجتماعية.
وأكد غانم عمر أن وزارة الشؤون الاجتماعية، وبالتنسيق مع وزارة العمل، ووزارة التربية، وجهاز الشرطة الفلسطينية، والمنظمات الاهلية الفلسطينية، تعمل لمساعدة هؤلاء الأطفال من خلال إعادتهم للمدارس حفاظاً على حقهم في التعليم، بعد فحص الأسباب والدوافع التي تجبر الأطفال على الخروج من المدرسة، ويتم على أثر هذا التقييم إتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لحل المشكلة، وإذا كان الدافع إقتصادي تقوم الوزارة بتقديم مساعدات للأسر من خلال البرنامج الوطني للحماية الاجتماعية، بالإضافة للتدخلات الاخرى، واذا تعذر ذلك تقوم الوزارة بتحويل الأطفال الى المراكز الاجتماعية لتأهيل الشبيبة التابعة للوزارة لتأهيلهم إجتماعياً ومهنياً.
*عمالة الأطفال موجودة لكنها لا تعد ظاهرة إجتماعية.
وشدد غانم عمر أن عمالة الأطفال موجودة في السوق الفلسطيني، إلا أنها لا تعد ظاهرة، مسترشدا بالإحصائية التي نشرها الجهاز المركزي الفلسطيني والتي أوضحت أن نسبة عمالة الأطفال في السوق الفلسطيني لم تتعدا3% من مجموع المجتمع الفلسطيني الذي يعد من المجتمعات الفتية، حيث يشكل الأطفال والشباب ما نسبته 50% من المجتمع.
وفي الختام يتضح من هذا العرض أن مشكلة عمالة الأطفال "الممنوعة أصلاً بموجب قانون العمل الفلسطيني"، من الممكن محاصرتها لكي لا تصبح ظاهرة، وذلك من خلال تكاتف الجهود من قبل مجالس أولياء الأمور والمدارس، عن طريق المرشدين الإجتماعيين، ومن خلال التواصل المباشر والمستمر على مدار العام الدراسي، وعقد دورات توعية وتاهيل للطلبة وبمشاركة بعض أولياء الامور، وتنسيق العمل والتعاون مع المؤسسات الحكومية وعلى رأسها وزارتا الشؤون الإجتماعية والعمل، من أجل الحد من هذه الحالة النامية بهدف الوصول للمصلحة الفضلى للطفل وحمايته من إي أذى أوعنف أوإساءة.
فالأجيال الناشئة هي الديمومة الحقيقية للوجود الفلسطيني بثقافتها وجهدها العلمي والعملي، لتتظافرجهودها في بناء دولة فلسطين ومستقبلها الباهر، التي تحتاج لكل ذرة عمل وأمل من أجل إنهاء الأحتلال، فالثقافة والعلم حاجة لكل إنسان على وجه هذا الكوكب إلا أنها أكثر لزوما وحاجة للفلسطيني، الذي يقارع دولة الاحتلال ويعمل جاهداً للتخلص من جوره وعنصريته.